Thursday, May 10, 2007

شخص أعرفه


- لم يعد ذلك الوجه حقيقياً كما كان من قبل، يبدو أسطورياً على نحو ما!
- وهل تعرف أنت أنه لم يعد يدرك تلك الحقيقة سوى نحن الاثنين فقط.
يسمع ما قيل، ثم يلتفت حوله فلا يجد سوى تلك المرأة المجنونة التى لازالت تُلوِّح بيدها لمجهول، ثم تعود لطاولتها تهمس إلى آخر، وتصنع حديثا ًلا ينتهي. ينظر إلى مرآته، فيجدها خالية، لم تعد هى الأخرى ترى وجوهاً لا حقيقة لها. يُقلِّب فى أوراقه وصوره القديمة، فلا يجد منها سوى ما ينكر عليه صفة الوجود الآن. يطوف بعينيه وسط ذكرياته فيقفز إليه يوم تعانقا بحرارة وتعاهدا فيه على شيء لم يعد أياً منهما فى رباط منه الآن.
تتسلل إلى أنفه رائحة الذكريات، ترتعش أطرافه وتدب فى أوصاله رجفةً لذلك. أوهموه بأنها فرصته التى لن تتكرر، كاد أن يصدق ما يقولون، لكنه على أية حال أدرك كيف أن أشجار الزيتون القابعة وراء ذلك السور، لم يكن بها سوى أفاعي وثعابين تتحفَّز للانقضاض عليه. لم يكن لزاماً عليه أن يجد الترياق من هذا السم، فهذه الأفاعي لا تجرؤ على أن تبرح مكانها، فهى الآن تعيش حياة الخلود وسط هذه الأشجار.
وهكذا أخذ يروى لنا قصته، واستطرد فى حديثه قائلاً: "يبدو أن القضية خاسرة، لم يعد هناك أى أمل، كل ما أريده هو أن أبدأ حياة جديدة". توقَّف عن الحديث عند هذا الحد، يشعر بأنه يحتاج إلى قسط من الراحة، رغم أن الرحلة لم تتجاوز سوى بضعة دقائق، حتى أن قاده ذلك الصباح إلى حالة غير مسبوقة من الاتساق، لم يعرف ـ على وجه التحديد ـ كيف مضت الرحلة، وكم من الوقت استغرقت، لكنه لم يعد ـ الآن على الأقل ـ منزعجاً بشدة لما يجرى.يدير شاشة التلفاز بين العديد من القنوات، ولا يجد ذلك الوجه الذى يبحث عنه فى أبطال القضية، يخشى سقوطه المفاجئ قبل أن تكتمل رحلته إلى قمة "جبل الأوليمب"، يعود إلى "أولاد حارتنا" مرة أخرى، يبحث عن وجه "عرفة" أو "أدهم" أو حتى "إدريس، يُمنِّى نفسه بأن يجد ما يبحث عنه فى الرواية القادمة، لكنه يخاف أن تختفي قصته بين سطورها.