الظلام خارج الغرفة واسع جداً لا حدود له، السكون الطويل يقطعه فجأة نباح ذلك الكلب عند كوم الزبالة القريب على ناصية الشارع الترابي، النباح يشتد يتبعه مواء بعض القطط الضالة، يستمر الصوت لدقائق، يعلو بعدها نباح الكلب، وتختلف نبرته، وكأن المشهد يوحى بأن المعركة ـ فى الخارج ـ قد حسمها الطرف الذى ظل ينتصر بنفس الطريقة طوال تلك السنوات. الضوء داخل الغرفة خافت جداً، وقد تكررت محاولاته للنفاذ إلى خارج الحجرة عبر ذلك الباب الأصم، ولم تنجح المحاولات إلا من شعاع صغير للغاية، استطاع أن يتسرب إلى الخارج رغم أنف الجميع.
المنظر بالداخل لا يوحى ـ مطلقاً ـ بضخامة الفكرة التى تدور بالرأس التى تعتلى تلك الجثة الضخمة الراقدة فوق السرير الوحيد بالغرفة، الجو خانق والأنفاس مكتومة، والنسائم الصغيرة فقدت الأمل فى أن تجد لها طريقاً هناك.
لم تكن فكرة القتل بجديدة على هذا المكان الضيق، فقد ولدت فيه عشرات الأفكار حول القتل، كما عُرِفت فيه ألواناً جديدة ـ من ألوان القتل ـ التى لم تعرفها مدينتنا من قبل، ولم تكن رائحة الدم بغريبة على تلك الأنف التى تقذف دخان السجائر، الذى يخرج فى شكل حلقات صغيرة وكأنها قد صُمِّمت بإبداع غير محدود.
ظلَّت الأفكار تغدو وتروح برأس قدري، حتى قذفت تلك الرأس الشيطانية بفكرة لم ترد له على خاطر من قبل، وانطلقت الكلمة من فم الرجل وكأنها صرخة الفوز، ودبَّت الحياة فى أوصاله مرةً أخرى، وعاد النشاط إلى خلايا جسده بعد أن أحس بأنها توقفت عن العمل، فلم يكن ما يفكر فيه يخطر على بال أحد، فهدفه هذه المرة هو قتل الشيخ حسين، والذى يُعرف فى المدينة ـ بل والمدن المجاورة أيضاً ـ أنه أطيب شيخ عرفته بلادنا على مر السنوات والعصور، وأنه الأكثر احترافاً فى مداواة المرضى بعلمه الواسع الغزير فى طب الأعشاب. ولم تكن فكرة قتل الشيخ حسين باليسيرة، حتى على أعتى المجرمين ومحترفي القتل، فبجانب قدرته على مداواة المرضى، كان معروفاً ـ أيضاً ـ بقدرته على حل المشاكل والخلافات بين الناس، واعتلى ـ بفضل ذلك ـ مكانة ـ لا تضاهيها مكانة ـ عند الجميع، حتى أن أتباعه ومريديه تزايدوا بشكل جعل عضو مجلس الشعب ـ عن هذه الدائرة الانتخابية ـ يشعر بقلق كبير، وأصبح حقده تجاه الشيخ متزايداً، وهو ما دفعه إلى التفكير فى قتله، لأن كلمة الشيخ حسين للناس تعني آلاف الأصوات الانتخابية لصالح المنافس المُحتمل فى الانتخابات القريبة، وذلك بعد أن فشل جناب النائب الحالي فى التقرب والتودد إلى الشيخ الطيب.
لم تكن كل هذه التفاصيل تلقى اهتماماً لدى قدري، وكان كل ما يشغل باله هو أن ينفذ مهمته دون أن تُكتشف جريمته، فكثير من سكان شارعنا ومدينتنا يعرفون عن جرائمه الكثير، لكنهم لا يجرؤون على البوح بذلك حتى بين أنفسهم، ولكن قتل الشيخ حسين ليس ككل جرائمه السابقة، فهذا الرجل أصبح فى نظر مدينتنا ـ والمدن المجاورة ـ رمزاً للحكمة والشجاعة، وأصبحت أعشابه أقوى من كل الأطباء والأدوية.
بدأت همهمة تسرى من شفاه قدري، وأصبح ينظر حوله وكأنه يترقب ظهور مجهول أمامه واثباً من أحد أركان الحجرة، ليعلن أنه قد عرف بكل ما يدور داخل هذه الرأس التى لا تعرف الرحمة، وأنه سيخرج ليقص على الجميع كل ما يعرفه.
تلألأت قطرات العرق المتناثرة فوق جبينه، واكتست باللون الماسي، وأخذ هو يلتقط أنفاسه اللاهثة وقد اختلط صوت فوران القهوة فوق الموقد الصغير مع صوت الأزيز الذي يبعثه الموقد، كما اختلطت رائحة العرق النتنة التى يفور بها جسده الضخم مع رائحة الدخان المنبعث من سيجارته الرخيصة، حتى أصبحا مزيجاً واحداً يصارع رائحة البن الرديء الذى يصنع منه القهوة. الظلام أصبح أكثر جرأة من ذي قبل، والصمت عاد ليلف أرجاء المكان مرةً أخرى، حتى انقطع الصمت ـ من جديد ـ بصرخات المجتمعين بالأسفل، وهم يصيحون بجنون: "لقد مات الشيخ"، فجرى ناحية النافذة ونظر إلى الأسفل قائلاً: "أو لعله قُتِل".
المنظر بالداخل لا يوحى ـ مطلقاً ـ بضخامة الفكرة التى تدور بالرأس التى تعتلى تلك الجثة الضخمة الراقدة فوق السرير الوحيد بالغرفة، الجو خانق والأنفاس مكتومة، والنسائم الصغيرة فقدت الأمل فى أن تجد لها طريقاً هناك.
لم تكن فكرة القتل بجديدة على هذا المكان الضيق، فقد ولدت فيه عشرات الأفكار حول القتل، كما عُرِفت فيه ألواناً جديدة ـ من ألوان القتل ـ التى لم تعرفها مدينتنا من قبل، ولم تكن رائحة الدم بغريبة على تلك الأنف التى تقذف دخان السجائر، الذى يخرج فى شكل حلقات صغيرة وكأنها قد صُمِّمت بإبداع غير محدود.
ظلَّت الأفكار تغدو وتروح برأس قدري، حتى قذفت تلك الرأس الشيطانية بفكرة لم ترد له على خاطر من قبل، وانطلقت الكلمة من فم الرجل وكأنها صرخة الفوز، ودبَّت الحياة فى أوصاله مرةً أخرى، وعاد النشاط إلى خلايا جسده بعد أن أحس بأنها توقفت عن العمل، فلم يكن ما يفكر فيه يخطر على بال أحد، فهدفه هذه المرة هو قتل الشيخ حسين، والذى يُعرف فى المدينة ـ بل والمدن المجاورة أيضاً ـ أنه أطيب شيخ عرفته بلادنا على مر السنوات والعصور، وأنه الأكثر احترافاً فى مداواة المرضى بعلمه الواسع الغزير فى طب الأعشاب. ولم تكن فكرة قتل الشيخ حسين باليسيرة، حتى على أعتى المجرمين ومحترفي القتل، فبجانب قدرته على مداواة المرضى، كان معروفاً ـ أيضاً ـ بقدرته على حل المشاكل والخلافات بين الناس، واعتلى ـ بفضل ذلك ـ مكانة ـ لا تضاهيها مكانة ـ عند الجميع، حتى أن أتباعه ومريديه تزايدوا بشكل جعل عضو مجلس الشعب ـ عن هذه الدائرة الانتخابية ـ يشعر بقلق كبير، وأصبح حقده تجاه الشيخ متزايداً، وهو ما دفعه إلى التفكير فى قتله، لأن كلمة الشيخ حسين للناس تعني آلاف الأصوات الانتخابية لصالح المنافس المُحتمل فى الانتخابات القريبة، وذلك بعد أن فشل جناب النائب الحالي فى التقرب والتودد إلى الشيخ الطيب.
لم تكن كل هذه التفاصيل تلقى اهتماماً لدى قدري، وكان كل ما يشغل باله هو أن ينفذ مهمته دون أن تُكتشف جريمته، فكثير من سكان شارعنا ومدينتنا يعرفون عن جرائمه الكثير، لكنهم لا يجرؤون على البوح بذلك حتى بين أنفسهم، ولكن قتل الشيخ حسين ليس ككل جرائمه السابقة، فهذا الرجل أصبح فى نظر مدينتنا ـ والمدن المجاورة ـ رمزاً للحكمة والشجاعة، وأصبحت أعشابه أقوى من كل الأطباء والأدوية.
بدأت همهمة تسرى من شفاه قدري، وأصبح ينظر حوله وكأنه يترقب ظهور مجهول أمامه واثباً من أحد أركان الحجرة، ليعلن أنه قد عرف بكل ما يدور داخل هذه الرأس التى لا تعرف الرحمة، وأنه سيخرج ليقص على الجميع كل ما يعرفه.
تلألأت قطرات العرق المتناثرة فوق جبينه، واكتست باللون الماسي، وأخذ هو يلتقط أنفاسه اللاهثة وقد اختلط صوت فوران القهوة فوق الموقد الصغير مع صوت الأزيز الذي يبعثه الموقد، كما اختلطت رائحة العرق النتنة التى يفور بها جسده الضخم مع رائحة الدخان المنبعث من سيجارته الرخيصة، حتى أصبحا مزيجاً واحداً يصارع رائحة البن الرديء الذى يصنع منه القهوة. الظلام أصبح أكثر جرأة من ذي قبل، والصمت عاد ليلف أرجاء المكان مرةً أخرى، حتى انقطع الصمت ـ من جديد ـ بصرخات المجتمعين بالأسفل، وهم يصيحون بجنون: "لقد مات الشيخ"، فجرى ناحية النافذة ونظر إلى الأسفل قائلاً: "أو لعله قُتِل".